إغاثة المهاجرين أثناء محنتهم في عرض البحر
تنطلق بالنسبة للمهاجرين الذين يتمكنون من عبور الحدود ومن الدخول إلى التراب الليبي، مرحلة صعبة أخرى، ويتعلق الأمر باستعدادهم، بمساعدة بعض المهرّبين الليبيين، إلى الإبحار من أجل رحلة خطيرة باتجاه أوروبا، و انطلاقا من هنا تكاثرت المآسي.
وفي هذا الإطار ، قدّم “محمود الشبراق” ، وهو أحد عناصر الحرس البحري الليبي، الشهادة التالية :” لكي نتمكن من إحكام عمليات إغاثة المهاجرين، نُنجز دوريات منتظمة في البحر، و نحن نتلقى أحيانا معلومات من المركز الإيطالي للإغاثة و كذلك من المنصات النفطية البحريّة التي يوجد عليها بعض مُمَثلينا”. كما يضيف محمود: ” بعد أن تكون المعلومة قد وصلتنا نحاول الاتّصال بمواقعنا القارّة قصد إجراء عمليات الإغاثة، و إن لم يحصل ذلك فإن الإيطاليين هم الذين يتعهّدون بذلك من خلال مصالحهم المخصّصة للإغاثة ومن بينها بالخصوص عملية “صوفيا” المسماة هكذا وفق إسم مهاجرة كانت قد وَضَعت خلال عملية إغاثة”. و قد وضّح أن الإيطاليين قرروا عقب عملية الوضع تلك بأن يُسمّوا خافرتهم المخصصة للإغاثة، وفق إسم تلك المهاجرة.
وبخصوص اتهامات التواطؤ بين حرس السواحل و المهرّبين والمتّاجرين بالمهاجرين يُكذّب محمود الشبراق هذا الأمر قطعيا : ” إنني أنفي كليا الادعاءات القائلة إننا في تواطؤ مع المهرّبين، نحن نُمثل مؤسسة رسمية تتحرك في إطار قانوني ، إنّ التعامل الوحيد الذي نُجريه تجاه المهرّبين هو أننا نسعى إلى التصدي إليهم وأحيانا لا يتم ذلك بكل يُسر إذ أنه عندما يكون هؤلاء حاملين لسلاح من العيار المتوسط فإنهم يطلقون النار علينا فنُجبر على ردّ ة الفعل , و لكنهم بصفة عامة يفرّون عندما يتفطنون إلى وجودنا، و إننا نلتقي بهم في القسم الشرقي بالأخص.
مشاغل البلدان الأوروبية
منذ انعقاد قمة لافالات حيث التقى العديد من رؤساء دول إفريقيا ودول الاتحاد الأوروبي، تغيرت العديد من الأشياء في ما يخص إدراك معاني الأدفاق الهجرية بين القارّتين و تدبيرها.
أعلمت أوروبا بوضوح، البلدان الإفريقية المعنية مثل النيجر، بما تراه من حلول عاجلة، لقد وجب على بلدنا، بصفته بلد عبورلأولئك المترشحين إلى مغادرة إفريقيا الغربية، أن يُرافق بشكل إجباري تلك الحلول الأوروبية المسماة على النحو التالي: تركيز قوة مخصصة لمكافحة الهجرة الوافدة وتشييد ثلاثة مراكز عبور يقع أحدها في آغاداس و قد يتقبل ما بين 10 آلاف و 20 ألف شخص، و توفير مساعدات من أجل العودة الطوعية. و مقابل ذلك ، ستُقدَّم عدة مئات من ملايين اليورو إلى البلدان” المتعاقدة “.
و أمام خطورة الوضع المُتّصل بأدفاق المهاجرين العابرين للبحر، قرّرت البلدان الأوروبية أن تقلب ظهر المجنّ إذ اعتمدت موقفا جديدا يقوم على تبنّي سياسة جديدة مُتمثلة في إحداث مراكز تجميع للمهجرين في عدة بلدان بالإقليم. والهدف من ذلك هو التحكم في أدفاق المهاجرين والتشجيع على المغادرة الإنتقائية نحو أوروبا وفق كفاءات المهاجرين.
تأثيرات قانون 2015-36 بتاريخ 26 مايو 2015، في أدفاق المهاجرين
لم تدرك مدينة آغاداس ، و هي تقع على نحو ألف كلم شمال العاصمة نيامي، حقيقة الرهان المتصل بمثل هذا الالتزام بالنسبة إلى اقتصادها و حتى بالنسبة إلى سكينتها الاجتماعية، و منذ بضعة أشهر انطلقت عمليّة مطاردة بلا هوادة ضد مُهرّبي المهاجرين وضد مالكي ” الغيتو” أي تلك المساكن التي تُستعمل مخابئ لمجموعات المهاجرين المستعدّين للرحيل باتجاه ليبيا.
هذا تشريح للظاهرة: منذ أن دخل قانون 2015-036 بتاريخ 26 مايو حيّز التنفيذ، أضحى مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء أكثر تستّرا في محطات السفر جنوب البلاد و في المدن-المحطات الواقعة بالشمال، فهم يختبئون ويتحولون إلى ضحايا الحجز في محلات (الغيتو) أو في (مبيتات التضامن) وهو حجز يفرضه المهرّبون.
وخلال كامل الوقت المخصص لانتظار سفر محتمل نحو الجزائر أو ليبيا وهو وقت قد يطول حوالي عشرة أيام و ربما أكثر، يظل المهاجرون محتجزين وراء أبواب مغلقة من الخارج، فهم لا يقدرون على الخروج سواء كان ذلك بحثا عن العمل او لتلبية بعض الحاجيات الأساسية، فالإجراءات القمعية والردعية الناتجة عن تطبيق قانون 2015-036 بتاريخ 26 مايو 2015 أدت مباشرة ، حسب المنظمة الدولية للهجرة، إلى تراجع قوي لأدفاق المغادرة نحو الشمال وإلى تزايد شديد لحركات العودة.
و منذ فبراير 2016 أجرت المنظمة الدولية للهجرة عملية متابعة للأدفاق الهجرية في منطقة آغاداس بالنيجر. و قد حُدّدت نقاط متابعة الأدفاق على طرقات الهجرة و بالأخص في سيغيدين و أرليت وهما مدينتا عبور في منطقة آغاداس.
الثنايا الملتوية التي يسلكها المهرّبون
لقد تراجعت الأدفاق المُغادرة تراجعا كبيرا فعلا ، و لكن الأمر يتعلق بتقديرات تخص المهاجرين الذين يعبرون مراكز المراقبة الرسمية ، في طريقهم نحو الجزائر وليبيا ، علما و أن أغلب المهاجرين الذين لا تتوفر لديهم شروط السفر رسميا، يختارون المسالك الملتوية.
[box type=”note” align=”alignleft” class=”” width=””]فمنذ دخول قانون 2015-036 بتاريخ 26 مايو 2015 حيز التنفيذ، أحدث بعض المهرّبين طرقات جديدة لنقل المهاجرين، و تنسيقيّة قدماء المهرّبين ترفض الاتهامات التي تُوَجّه إليهم كمجرمين وهي تدعو إلى تجسيم سريع للوعود التي قُدّمت في إطار تحويل أنشطة الفاعلين المعنيين باقتصاد الهجرة.[/box]
غضب المُهرّبين
أحدث الإعلان عن قائمة الملفات المحتفظ بها توتّرا داخل التجمّع االبلدي لمدينة أغاداس. و صباح يوم الجمعة 25 أغسطس 2017 ، هاجم آلاف المُهرّبين والسائقين مقر البلدية ، كما أن البعض من الأطراف الفاعلة في مجال الهجرة والذين لم يتمّ اختيارهم، كانوا في غضب شديد ضد لجنة الاختيار و البلدية وحتى ضد الشركاء، و قد نظّموا اجتماعا واسعا بساحة المواطن قبالة مقر البلدية لكي يصبّوا غضبهم العارم وعلامات الحيرة و الاستياء تجاه ما أسموه باختيار “التلاعب” الذي نظمته لجنة اختيار مكونة من ممثليهم و من ممثلي البلدية وممثلي الهيئة العليا لتعزيز السّلم وممثلي المنظمة غير الحكومية المسماة “كركارة”
وقد صرح “حمزة حامومو” المُكنّى “جاتا” وهو الناطق باسم الفاعلين الغاضبين ، صرّح لصحيفة “الأمة” (لا ناسيون) بما يلي ” إن الهيئة التي ركزناها لم تستجب لانتظارات الفاعلين الحقيقيين في ملف الهجرة . لذا أحدثنا هيئة أزمة وشرعنا في القيام ببعض المبادرات نحو كل الأطراف المعنية، بُغية الحصول على توضيحات حول هذه المهزلة، و لكننا لم نتحصل على شيء. ثم أضاف :” انطلاقا من هذه اللحظة لم نعد نعترف بمسؤولي جمعية المُهرّبين و لم نعد نعترف كذلك بالهيئة المكلفة باختيار الفاعلين الذين سيستفيدون من الصندوق المالي و ندعو رئيس المجلس الجهوي إلى الاهتمام أكثر بتنظيم الأوضاع و إلى إنصافنا . فالمسألة جدّية و على الشركاء الذين قدّموا أموالا أن يعلموا بأن هذه الأموال لم تصل إلى جيوب المعنيين”.
يقول “جاتا” :” باسم كل هؤلاء الرفاق: “نطلب حل هيئة اختيارالملفات. إنّ هؤلاء الأشخاص غير نزهاء و لدينا أدلة عن كل تلاعبهم. إنه من المؤسف أن نرى أشخاصا من الظل يبستفيدون بما لا حق لهم فيه . ما هذا العالم ؟ فلتعلم السلطات في أعلى مستوى، بأن هذه القائمة المغشوشة ( المغلوطة ) والقوائم التي يمكن أن تأتي بعدها، قد تُحدث إزعاجا في البلاد. ويختم “جاطا” كلامه غاضبا : ” لقد سئمنا المعاملة التي نلقاها منذ تطبيق هذا القانون الذي يُجرّم نشاطنا”.
نزعة المهاجرين إلى العودة
[box type=”info” align=”” class=”” width=””]لقد نشرت المنظمة الدولية للهجرة بيانات شهرية حول الأدفاق الهجرية الوافدة والأدفاق المغادرة. لقد انتقلت الأدفاق الوافدة من 1207 شخصا في شهر فيفري 2016 إلى 23778 شخصا في شهر يونيو 2016، أي أن التضاعف كان بعشرين مرّة. وبداية من ذلك الشهر تراجع هذا العدد تدريجيا حتى وصل إلى 1683 في ديسمبر 2016 أي أن التراجع بلغ 14 مرة.[/box]
و نلاحظ بداية من السنة الجارية ارتفاعا للدفق الوافد مع قفزة بلغت 27239 في فيفري 2017 . و ترتبط زيادة العودة هذه بغلق موقع استخراج الذهب في دجادو و بانعدام الأمن المتزايد في ليبيا. ونلاحظ بشكل مواز زيادة تدريجية للأدفاق المغادرة ( الأشخاص الذين يعتزمون مغادرة النيجر ) بنحو 4084 مهاجرا في شهر فيفري – فبراير- 2016 . لقد تحوّل الدفق إلى 71094 مهاجرا مغادرا في شهر مايو 2016 أي بتضاعف بلغ 17 مرة. و بدخول قانون 2015-036 بتاريخ 26 مايو 2015 حيز التنفيذ حول الاتّجار بالمهاجرين , نلاحظ تراجعا كبيرا للدفق المغادر خلال شهر جوان .
تأثير لا شك فيه
تحولت منطقة آغاداس إلى مفترق طرقات المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء المُتّجهين نحو منطقة المغرب الكبير و/ أو أوروبا . و تُمثل آغاداس الواقعة شمال النيجير منطقة التقاء بين النيجر و الجزائر من ناحية و بين النيجر وليبيا من ناحية أخرى . و هذا الموقع الجغرافي ملائم لعبور آلاف المترشّحين إلى الهجرة و الباحثين عن غد أفضل. والحكومة النيجيرية اتخذت اجراءات قمعية قلصت من حدّة الظاهرة وخلقت في نفس الوقت نوعا من الهشاشة في صلب السكان الذين استفادوا من الانعكاسات الاقتصادية لهذا المسلك. و قد كرر المُهرّبون الحركات الاحتجاجية في نفس الوقت الذي ظهرت فيه مسالك ملتوية، بما يصحبها من مآسِ
فرصة اقتصادية لمنطقة آغاداس
ومن نتائج وجود هذا المعبر ، إلى جانب إحداث و تعزيز الشبكات والمسالك الهجرية ، المساهمة في النمو الديمغرافي والاقتصادي في مدينة آغاداس من بداية التسعينات إلى اليوم. فإقامة المهاجرين ومراقبتهم و استغلالهم مسائل تُولّد العديد من الأنشطة وتوفُر موارد مُهمّة يستفيد منها الفاعلون المتدخّلون في إيواء المهاجرين وفي تنظيم مغادرتهم و نقلهم.