وكالة الغيمة الليبية للأخبار ـ طرابلس.
يحتفل الليبيون بيوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر محرم من السنة الهجرية ويوافق يوم الخميس (2018.09.20)، حيث ينقسمون إلى من يراه يوماً للعبادة بصيامه وصيام يوم قبله أو يوم بعده معه والبعض يراه بالإضافة إلى ذلك يوماً لإحياء عادات توارثوها عبر الأجيال تتمثل في طبخ الفول والحمص الذي تم نقعه ليومين ليكونا طبق العشاء ليوم تاسوعاء وهو يوم الموسم، فيما يخرج أطفال كل حي من أحياء وشوارع المدينة في لوحة استعراضية رفقة (الشوشباني).
ويلاحظ في اليومين اللذين يسبقان العاشوراء وجود الباعة يفترشون جوانب الطرق الرئيسية للمدينة بطاولاتهم أو سياراتهم وهم يعرضون الفول المنقع والمنبت والحمص جاهزاً للطبخ فليس الجميع يشتريه جافاً من المحلات، ويبلغ سعر كيلو الفول اليابس (9 د.ل) والحمص اليابس (8 د.ل) فيما يتراوح سعر الفول المنقع (5-6 د.ل) والحمص (5-8 د.ل).
وبالإضافة لطبخ الفول والحمص كل على حدة وإضافة شرائح الليمون للإسراع في نضجه ثم إضافة (كمون حوت – كمون يانسون) حسب الرغبة للمزيد من النكهة، هناك طبق آخر تقوم بعض العائلات بتحضيره بالمناسبة ويحمل اسم (العاشورا) وطريقته بأن يتم نقع مقدار من القمح ليلة كاملة ثم يصفى من الماء ويغمر بمياه أخرى ويتم غلوه على النار فترة بسيطة فقط حتى تزول عنه القشور في صباح اليوم التالي عندها يوضع مجدداً على النار بعد إزالة القشور مع الماء وتجديد مياه أخرى، ثم يتم تذويب (6-8) ملاعق نشا كبيرة في لتر حليب ويضاف له ملعقتين سكر حسب الرغبة ويخلط على النار مع التحريك المستمر حتى يثقل المزيج ويبدأ في الغليان، تضاف هنا النكهات المختلفة حسب الرغبة (قشور ليمون – قشور برتقال – ماء ورد – روح ورد – عطر – زهر) وتضاف القشطة لقوام أسمك، ويسكب في صحون ويتم تزيينه بإضافة المكسرات وجوز الهند والرمان بعد أن يبرد أو بخلطه بالملونات الغذائية حسب الرغبة.
لا يوجد تاريخ محدد لظهور فكرة وعادة طبخ الفول والحمص وطبق (العاشورا) في هذه المناسبة الدينية ولا تفسير لسبب اختيار هذين النوعين من البقوليات تحديداً، وكذلك شخصية (الشوشباني) وهو يؤدي رقصاته في موسم عاشوراء بعد صلاة المغرب، ويتحلق حوله الأطفال يصفقون ويهتفون (شوشباني يا باني .. هذا حال الشيباني .. هذا حاله وأحواله .. وربي يقوي مزّاله) ويقوم بالدق على طبل يحمله في يده بعصا يحملها في اليد الأخرى وخلال رقصاته يصدر أصوات خشخشة بفعل ما يرتديه من حلقات معدنية وأغطية قناني المشروب وعلب المشروب المعدنية الفارغة والتي تكون مربوطة بخيط يلفه على جسده فوق لباسه المصنوع من الليف وبقايا الثياب وهو يردد (قوبي .. قوبي).
ومن أغاني (الشيشباني) الفلكلورية الشهيرة والتي مازالت ذاكرة التراث تحتفظ بها شيش باني .. ياباني .. هذا حال الشيباني هذا حاله وأحواله .. ربي يقوي مزاله، شيش باني فوق حصان .. سقد يا مولى الدكان، شيش باني فوق جمل .. سقد يا مولى المحل، شيش باني يبي الفول .. أمه جابت بهلول، شيش باني يبي القرعة .. أمه جابت ما ترعى، شيش باني باليبرة .. حلي حوشك يا تبرة، شيش باني بولحية .. حلي حوشك يا بية
شيش باني بالخوصة .. حلي حوشك يا عروسة، شيش باني بالمشاي .. حلي حوشك يا حناي.
وهناك من يغني هذا حوش البوبشير فيه القمح والشعير، هذا حوش عمنا يعطينا ويلمنا، هذا حوش سيدنا يعطينا ويزيدنا، وهناك من يقول العاشورة عاشورتي ..تملالي دحورتي، دحورتي مليانة بالششي والعصبانة.
ويقوم الأطفال بالطرق على البيوت في الزقاق الذي يمرون منه فيما تقف الفتيات والنسوة على الشرفات وخلف النوافذ للمشاهدة، وهذه البيوت كثير منها هي بيوت نفس الأطفال وتتوالى الطرقات الصغيرة السريعة على الباب مطالبين ساكنيه ببعض الفول والنقود للشوشباني الذي يعلق على كتفه مخلاة أو كيس لجمع الفول والحمص وآخر يربطه في حزامه لجمع النقود.
وعند فتح الباب يطلب الأطفال ما يجود به أهل البيت ويبقون في الإنتظار يصفقون ويهتفون (مشت تجيب اعطيها الصحة) و (اللي ما تعطيش الفول راجلها يولي مهبول) وإذا تأخرت ربة البيت في إحضار المطلوب يهتف الأطفال (مشت تجيب .. كلاها الذيب) وهكذا حتى تخرج إليهم مجدداً ببعض الفول والحمص أو النقود أو كليهما، وإن حدث ورفض سكان أي بيت الإستجابة لطلب الأطفال أو نهرهم من يفتح الباب، يتعالى هتافهم (الرحاة معلقة والمرأة مطلقة) وهم يهرولون بعيداً خوفاً من ردة فعل عنيفة من صاحب البيت.
قديماً كان (الشوشباني) أحد المشردين الذين يتصادف وجودهم في الشوارع يعيشون على الصدقات، لكن مع الوقت صار الأطفال من شارعين أو ثلاثة قريبة من بعضها يتجمعون ويقوم أحدهم وربما يكون أكبرهم سناً بالتطوع للقيام بهذا الدور وبعد انتهاء الجولة على البيوت يجلس الجميع لتقاسم الغنيمة من الفول والحمص والنقود.
ويكبر الأطفال بمرور السنوات وتنتقل الفكرة للجيل التالي فالذي يليه وهكذا تظل العادات والتقاليد موروثاً يميز المجتمع ويمنحه هويته المستقلة، ومن ضمن عادات العاشوراء أيضاً أن تقوم الفتيات بقص أطراف الشعر ووضع الكحل العربي في العيون وتخضيب اليدين بالحناء وحتى القدمين للصغيرات.